جيل اليوم.. بين وفرة الخير وكثرة الفتن!

أغبط هذا الجيل حقًا على ما يسَّر الله له من فرص الاختيار، ومن كثرة الخير الذي يستطيع الوصول إليه.
الزمن الماضي.. قلة الخيارات وكثرة الفتن
لقد نشأت في زمن لم يكن فيه إلا القناة الأولى والثانية المصرية، قبل أن يكون ثمة إنترنت أو هواتف محمولة.
لم يكن الناس يجدون شيئًا إلا الجلوس أمام هاتين القناتين اللتين تفسدان عليهم رمضان، فاليوم مشحون بالمسلسلات والفوازير والبرامج التي تغص بالعاريات والراقصات ووسائل الإلهاء.
وبين 24 ساعة من الفجور والانحلال، ثمة مسلسل ديني وبرنامج ديني تكريمًا للشهر الكريم!
الجيل الذي اعتاد حينها أن يرى المسلسلات، هو الذي ارتبط رمضان في ضميره باللهو والمسابقات.
ظهور الفضائيات.. بداية التمايز
فلما أنعم الله على الناس بالمزيد من القنوات الفضائية، بدأ الناس يعرفون معنى الأطباق الفضائية، فانقسموا إلى صنفين:
- صنف ازداد من الخير الذي وفرته الفضائيات، حيث زادت البرامج الدينية، وظهر المشايخ الذين كانوا ممنوعين سابقًا.
- وصنف ازداد من الشر بما وفرته هذه الفضائيات من المسلسلات والبرامج والمسابقات.
وأحسب أن الصنف الثاني إن لم يشمله الله برحمة منه، فلن يستطيع استثمار رمضان أبدًا.
طوفان الإنترنت.. الخير والشر بلا حدود
ثم جاء طوفان الإنترنت، وصار الجميع عاجزًا عن نيل شيء من آماله؛ فأما باغي الخير، فقد انهمرت عليه مواقع المشايخ ودروسهم، مثلما انهمرت عليه الكتب.
- ما من محب للقراءة أو السماع إلا وكان محدودًا بأمواله، فلما جاء الإنترنت، وجد الموسوعات الكبرى، والكتب النادرة، وتراث العلماء متاحًا.
- وأما باغي الشر، فقد وجد أرشيف الأفلام والمسلسلات، وأضاف إليها الجيل الجديد وسائل الفتنة والإلهاء.
فما أبعد الذي ينغمر في هذا الوباء عن أن يفيق إلا أن يتناوله الله برحمة، أو يهيئ له صديقًا ناصحًا، أو مقطعًا عابرًا، أو صدمة في حياته تنجيه مما هو فيه!
الإنتاج أكثر من القدرة على الاستهلاك
نحن الآن نعاني عسرة شديدة في ضيق الوقت، حيث صار الإنتاج المعرفي أكبر بكثير من القدرة على استهلاكه.
لقد فكرتُ في أن أضع بعض المواد التي تنفع الناس في رمضان، فوجدت أن الذي أنتجته وحدي يمكن أن يملأ رمضان أحدهم ولا يترك له فراغًا.
وهذا أنا وحدي، فكيف بسيل لا يتوقف من جماهير المشايخ والدعاة؟
جيل غارق في الخير.. والتحدي في الانتقاء
ما أقرب الزمن بين جيل لم يكن يستطيع الانفلات من القناتين الحكوميتين، وجيل مغمور في خير متدفق.
لقد صار التحدي عنده أن ينتقي من هذا الخير أجوده، وأنسبه له في حاجته وطبعه.
لئن كان الذي عاش قبل ثلاثين سنة يجد لنفسه بعض العذر في مشاهدة المسلسلات، فهذا العذر لم يعد قائمًا اليوم.
رمضان.. الاختبار الحقيقي للهمة
الآن، ما أيسر أن تملأ هاتفك بالكتب والمقالات والدروس المسموعة والمرئية، وأن تجعلها تملأ يومك كله.
فكيف يعتذر من هذا حاله إذا جاء ربه وقد تابع المسلسلات والمسابقات وأهل الفتن؟!
إنما هو رمضان، وإنما هي أيام.. ومن عجز عن أن يمسك بنفسه لثلاثين يومًا، فكيف يتصور أنه قادر على شيء من معالي الأمور؟!
القرار يحتاج إلى عزمة وصدق
يحتاج الأمر إلى عزمة وصدق وشدة وهمة، والله يعين الصادقين.
قال النبي ﷺ: “من تقرب إلى الله شبرًا، تقرب الله إليه ذراعًا، ومن تقرب إليه ذراعًا، تقرب الله إليه باعًا، ومن أتاه يمشي، أتاه الله هرولة”.
والله أفرح بتوبة عبده من رجل في صحراء فقد طعامه وماله وسيارته، فنام ينتظر الموت، فلما استيقظ وجدها أمامه!
اللهم اهدنا إلى مراضيك.. وأقمنا فيما يرضيك!